بين يســوع ومعلمــي الشريعــة







امر الرب موسى بأن يجعل هارون وبنيه كهنة من ذلك اليوم اصبح اولاد هارون كهنة للرب فراحوا بعد موسى وهارون يعلمون الناس الشريعة والاحكام واستمر بهم الحال جيل بعد جيل فأبناء هارون هم الكهنة ولكنهم بدئوا بالانحراف شيئاً فشيئاً فكانوا مكذبين ومحاربين لزكريا وكانوا يسرقون قوت الشعب ويميلون الى الرومان من اجل الحفاظ على مناصبهم ولما رزق الرب زكريا بمولود وسماه يوحنا المعمدان وكانت زوجة زكريا الياصبات عاقراً لم يؤمنوا ولم يتوقفوا عن عدائهم لزكريا كما انهم لم يصدقوا بنبوة يوحنا المعمدان وكان يوحنا يبشرهم بمجيء المسيح لكنهم كذبوه وحاولوا ايذائه ولما ظهر يسوع وقفوا بوجهه واتهموه كما اتهموا والدته القديسة العذراء من قبل وراحوا يحيكون عليه المؤامرات والدسائس لدى الحكام الرومان ويثيرون الشعب ضده لكن يسوع تصدى لهم وكشف زيفهم وفضح اكاذيبهم وكان يحذر الناس منهم ومن خطرهم ومما قاله المسيح للناس عنهم ما جاء في انجيل مرقس : (( معلموا الشريعة والفريسيون على كرسي موسى جالسون ، فأفعلوا كل ما يقولونه لكم واعملوا به . ولكن لا تعملوا مثل اعمالهم . لأنهم يقولون ولا يفعلون )) ( مرقس12 : 38 - 40) .
كما قلنا ان الكهنة هم ابناء هارون وهم معلمي الشريعة الذين جلسوا وقاموا مقام موسى وهارون في ارشاد الناس وهدايتهم وتعليم الشريعة والاحكام فهم بمقامهم هذا يمثلون موسى ويقومون مقامه لذلك فان الناس تحترمهم وترجع اليهم في احكام الشريعة والدين ، فأنهم قد تعلموا ودرسوا علوم الشريعة وحفظوها جيداً لذلك فان يسوع امر الناس بأن تفعل ما يقوله اولئك الكهنة ويعملوا به لانه حق وصحيح . ولكنه امرهم في نفس الوقت وحذرهم من ان يعملوا كأعمال اولئك المعلمين لان اعمالهم مخالفة لأقوالهم التي يأمرون الناس بالعمل بها وهم لا يعملون بها فهم قد حفظوا الشريعة والاحكام ولكنهم لا يعلمون بها . وقال :(( فانهم يحزمون احمالا ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على اكتاف الناس وهم لا يريدون ان يحركوها باصبعهم. )) (مت 23: 4) فان هؤلاء المعلمين ينقلون للشعب احكاماً وشرائع صعبة وعسيرة ويأمرونهم بالعمل بها . والامتثال لهم في تطبيق هذه الاحكام وتأديتها على الوجه الصحيح من غير ان يبينوا لهم الطريقة الصحيحة في تأدية ذلك العمل فهم بأفعالهم تلك يحملون الشعب ما لا يطيق لقد جعلوا الشعب ينفر من الدين ويشمئز منه بسبب تلك الشرائع والاحكام التي لا يعرف الشعب كيفية الاتيان بها على الوجه الذي اراده الرب لقد القوا تلك الاحكام الى الناس من دون بيان وشرح حتى صار الشعب عاجزاً عن العمل بها فهم لا يحاولون اعانتهم على العمل بالأحكام والتمسك بالشريعة والرجوع الى الرب وترك الهوى والاماني والشيطان . فإن الشعب يريد الهداية لكنه لا يعرف كيف يهتدي وكلما جاءهم من يريد هدايتهم وارسله الرب الى ذلك وقف اولئك المعلمين والكهنة بوجهه وكذبوه وحاربوه واتهموه فلا هم يعلمون الناس ويهدونهم ولا يسمحون لغيرهم ان يفعل ذلك . فالحقيقة ان هؤلاء الكهنة من المعلمين والفريسيين بسبب انحرافهم وزيفهم فهم ليسوا مخلصين في عملهم فهم حينما يعملون ويتعبدون ليس لكي يباركهم الرب ويرضى عنهم ويغفر لهم خطاياهم ولكن كل هدفهم من ذلك هو ان تراهم الناس لكي يعجبون بهم ويصفونهم بأوصاف جميلة ويطلقون عليهم الالقاب المثيرة فهم بذلك انما يموهون ويخدعون الناس بتلك الافعال . ومن هنا فالواجب علينا ان نلتزم بما جاء في الكتاب المقدس وما قاله المسيح واوصى به فنحذر من المزيفين والمنحرفين الذين يضلون الناس ولا يهدونهم ولا يخلصون الى الرب في افعالهم بل هم مراؤون كاذبون منافقون .
وقال: (( يجعلون عصائبهم عريضة على جباههم وسواعدهم ويطولون اطراف ثيابهم )) (متى 5:23) لقد امر الرب موسى بأن يصنع لباس خاص بالكهنة وراح الكهنة يلبسون هذا اللباس ولكن لما ظهر الانحراف فيهم بدأوا بتغيير ما امر به موسى من لباس فجعلوا العصائب عريضة بعد ان كانت دقيقة ومتواضعة وذلك لكي تراهم الناس وتميزهم عن غيرهم فهم يريدون من الناس ان تحترمهم لا عن طريق افعالهم ولكن عن طريق مناصبهم ولباسهم . كما انهم راحوا يطولون ثيابهم عن ما تعارف عليه في لباس الكهنة وذلك لنفس الاسباب وهذا هو لباس الشهرة الذي خالفوا به الانبياء والصالحين فقد كان هؤلاء يلبسون ملابس بسيطة ومتواضعة ولم يكن من لا يعرفهم ممن يراهم يميزهم عن غيرهم من الناس ولكن هؤلاء الكهنة تعدوا ما امرهم به الرب وخالفوا موسى .
ثم قال :(( ويحبون المتكا الاول في الولائم والمجالس الاولى في المجامع والتحيات في الاسواق وان يدعوهم الناس سيدي سيدي واما انتم فلا تدعوا سيدي لان معلمكم واحد المسيح وانتم جميعا اخوة. 9 ولا تدعوا لكم ابا على الارض لان اباكم واحد الذي في السموات. 10 ولا تدعوا معلمين لان معلمكم واحد المسيح. 11 واكبركم يكون خادما لكم. 12فمن يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع)). متى 6:23-11وهذا الخُلّق السيء ما نشاهده في زماننا هذا بكثرة عند الكثير من الاشخاص وخاصة عند الكهنة من معلمي الشريعة فهم يحبون ان يجلسوا دائماً في صدر المجلس والانظار متوجهة اليهم وان تقوم الناس لهم بالخدمة وان الناس تحييهم وتقبل ايديهم وتشير اليهم كما انهم يحبون ان تسميهم الناس يا معلم اي انهم يريدون من الناس ان تميزهم عن الاشخاص الباقين بأن يخاطبونهم بكيفية خاصة تختلف عن كلام الناس وخطابهم فيما بينهم وهذا ما نشاهده اليوم بكثره ولا اعرف اين نحن اليوم من اخلاق موسى ويسوع والحواريين والمؤمنين والصالحين الذي لا يحبون ان تميزهم الناس عن غيرهم ، فكلنا قد قرأ في الانجيل كيف ان المسيح يجلس مع الخاطئين ويجلس في اي مكان يجده في المجلس ويلبس كما يلبس الناس . ويظهر خُلق المسيح من خلال كلامه مع الحواريين حيث قال : (( اما انتم فلا تسمحوا بأن يدعوكم احد يا معلم . لأنكم كلكم اخوة وكلكم معلم واحد )) هكذا يأمر يسوع اصحابه بأن لا يسمحوا لأحد ان يصفهم بصفات تميزهم عن غيرهم كان يقولون لهم يا معلم ثم انه بين لهم ان المعلم واحد فقط ولا يجوز ان نطلق هذا اللقب على كل كاهن . كما ان ما يفهم من ذلك ان كلام الرب لا يقف عند حدود هذه الكلمة (( يا معلم )) فقط بل يتعداها كما هو واضح الى كل صاحب منصب او جاه بان لا يحب ان تناديه الناس بصفته او لقبه او منصبه . وقال ايضاً متمماً لكلامه :(( ولا تدعوا احداً على الارض يا ابانا )) فها هو يسوع ينهى الشعب ان يدعو احداً يا أبانا فذلك لا يصح اطلاقاً ان يطلق هذا اللقب على غير الاب السماوي مهما وصل به المقام والحال فقد قال المسيح :(( لان لكم اباً واحداً هو الاب السماوي )) كما انه قال :(( الويل لكم يا معلمي الشريعة والفريسيون المراؤون تغلقون ملكوت السماوات في وجوه الناس فلا انتم تدخلون ولا تتركون الداخلين يدخلون )) وهنا يدعو المسيح على معلمي الشريعة بالويل وهو نوع من انواع العذاب كما ان هؤلاء المعلمين والفريسيين المرائين كلما جاءهم رسول او نبي كذبوه واتهموه وحاربوه وهم بهذا يغلقون ملكوت السماوات بوجه الناس . فأن الرسل والانبياء يدعون الى الملكوت وهؤلاء يمنعون الناس من الولوج في ملكوت السماوات فهم لا يريدون الدخول في الملكوت ولا يدعون الناس تدخل فهم بأقوالهم وافعالهم يصدون الناس عن الايمان بالرسل والانبياء والدخول في ملكوت السماوات.
ثم قال :(( تأكلون بيوت الارامل وانتم تظهرون انكم تطيلون الصلاة ، سينالكم اشد العقاب )) . فان هؤلاء المنحرفين من المعلمين والفريسيين يأكلون اموال الناس بالباطل ويستحلون اموالهم ويأخذون اموال الارامل واليتامى ويتعدون على حقوقهم فيأكلون في بطونهم ويتقاسمونها بينهم ولا يعطون المستحقين من اليتامى والارامل ما يكفي لمعيشتهم وسد احتياجاتهم وهم بالرغم من تصرفاتهم هذه فهم يطيلون الصلاة رياء لكي يشاهدهم الناس ويثقون بهم فيزداد الناس في اعطائهم للأموال والتبرعات ولكن العاقبة لمثل هؤلاء المنحرفين من معلمي الشريعة وغيرهم هي العقاب الشديد .
وقال ايضاً:(( الويل لكم يا معلموا الشريعة والفريسيون المراؤون تُعطون العشر من النقع والصعتر والكمون ، ولكنكم تهملون اهم ما في الشريعة . العدل والرحمة والصدق وهذا ما كان يجب عليكم ان تعملوا به من دون ان تهملوا ذلك )) . فأن الذي يظهر من كلام المسيح ان هؤلاء المعلمين والفريسيين يعملون ببعض الاحكام ويؤمنون ببعض في الشريعة ويتركون البعض الاخر فأنهم قد اخروا واهملوا اموراً اخرى مهمة امُروا بالعمل بها كالعدل والرحمة والصدق فهم قد اهتموا بتلك الفريضة لأنهم يستفيدون منها فائدة مالية لهم ولأسرهم ولكنهم اهملوا تلك الفائدة التي تعود عليهم من العمل بالعدل والرحمة والصدق ففائدة هذه الامور كما لا يخفى فائدة اخروية تجلب لهم الثواب والحسنات . انهم اُمروا بان يعملوا بكل هذه الامور ولا يهملوا منها احداً ابداً فإنهم ياخذون ما ينفعهم في الدنيا ويتركون ما ينفعهم في الاخرة . 
وقال ايضاً :(( تصفون الماء من البعوضة ، ولكنكم تبتلعون الجمل )) 
يدققون على ما يشربون وما يأكلون حتى يصفوه من كل شائبة او ضرر ولكنهم اذا تسلطوا على اموال الناس فانهم يبتلعونها مهما كبرت فجعل هذا مقارنة بين البعوضة بصغرها اذا كانت لحوائجهم الخاصة وبين الجمل بحجمه الكبير الذي لا يمكن في الظاهر ابتلاعه ولكنه مثال على عظيم جرمهم وجشعهم . 
ثم توعدهم مجدداً الى ان قال :
(( انتم كالقبور المبيضة ، ظاهرها جميل وباطنها ممتلئ بعظام الموتى وبكل فساد وانتم كذلك تظهرون للناس صالحين وباطنهم كله رياء وشر )) 
وهنا اخرج وصفهم وحالهم الحقيقي الذي يظهر للناس جميل وصالح ولكنه شر يملأه الرياء فكانوا كالقبور المزينة من الخارج وهي من الداخل نتنة وقبيحة بما تحويه.

0 التعليقات: